سؤال أجزم بأن الجميع يعرف إجابته إذ أي ابداع إنساني يبدأ فطري الأداء ويصبح مكتملاً وناضجاً كلما تحضر صاحبه وأصبح قادراً على تقويم أي اعوجاج يتعرض له هذا الفعل عبر ما يتلقاه من سبل التقويم ومنها البحث والتجربة كما حدث في مرحلة مبكرة من التاريخ الإنساني لعدم امتلاك ذلك الإنسان أو الفرد مقومات التعلم ثم أتت مرحلة العلم وما حمله للبشرية من نوافذ وأبواب مشرقة أحالت الحياة إلى عالم من المنافسة على الابتكار والبحث عن الجديد في كل يوم تشرق فيه الشمس وفي مختلف العطاءات.
وإذا أخذنا الإبداع باعتباره فعلاً إنسانياً فطرياً يولد مع صاحبه بما يسمى حالياً بالموهبة ويطلق على ممتلكه صفة الموهوب فإننا نجد أن ليس كل فرد يمكن له امتلاكه بقدر ما هي منحة من الله يمنحها لمن يشاء، ويأتي الفن التشكيلي واحداً من تلك القدرات الفطرية في بداية أمره ابتداء من ميل الإنسان منذ طفولته لمثل هذا الأسلوب من التعبير مع ما يطرأ عليه من تطور في قادم أيامه ومراحل عمره الزمني وبأن الرسم وسيلة تعبير أكدتها اكتشافات الرسوم والرموز في الكهوف التي خلفها إنسان العصر الحجري سبقت مرحلة الكتابة والقراءة مع اعتبار أن الرسام في مراحل لاحقة ساحر بإمكانه من خلال رسمه معرفة ما يتوقع حدوثه مستقبلاً كالقدرة على اصطياد الحيوانات ضرباً من معرفة الغيب إلى أن وصل الإنسان إلى مرحلة العلم والمعرفة ابتداء من القراءة ووصولاً إلى كل ما يتعلق بالاختراعات والابتكارات في مختلف سبل الحياة. هذه المقدمة تجعلنا نعود إلى عنوان الزاوية بأن الفن أو أي وسيلة تعبير إنسانية لا يمكن أن تكتسب بقدر ما يتم تطويرها والأخذ بها ففاقد الشيء لا يعطيه كما يقال ورغم علم الكثير بهذا خصوصاً ممن يسعون للدخول في معترك الإبداع مع خلو وفاضهم من أي موهبة فطرية أو حتى شيء من اكتساب المهارات في لاحق أيامهم مع أن الاكتساب لن يكون كافياً متمسكين بأن بإمكانهم المحاولة مع إخفاقهم في كل خطوة فيها، والأكثر غرابة اعتقادهم أن حملهم المؤهلات في المجال نفسه سيكون شافعاً لقبول تلك المحاولات مع أنهم بعيدون كل البعد عما تلقوه أو تعلموه وأنهم جاءوا بما ليس لهم، ويحضرني هنا قصة ظريفة رواها صديق يشاركنا الهم في الساحة التشكيلية يقول إنه ابتعث لدراسة تخصص علمي ولصعوبته سعى إلى استبداله بما هو أسهل فكان له ما رغب بأن اتفق مع زميل آخر في البعثة نفسها جاء مبتعثاً لدراسة الفن وهو غير راغب فيه.
أما الأكثر إيلاماً فهو فيما يأتي به البعض من شهادات تميز من دورات في معاهد تجارية متخصصة في الفنون يتلقى فيها الدارسون دورات مسائية أو صباحية تتناسب مع ظروف المبتعث بجانب دراسته الرسمية ورغم ذلك يكشفهم الميدان أمام إبداعات حقيقية لموهوبين من الشباب أو ممن سبقوهم بمواهبهم صقلة بالدراسة والبحث والتجريب والسعي إلى تقديم الأفضل فأوجدوا أثراً وتأثيراً في الساحة.
محمد المنيف- الجزيرة
Bookmarks